سورة المائدة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إِذ همّ قومٌ أن يبسطوا إِليكم أيديهم} في سبب نزولها أربعة أقوال.
أحدها: «أن رجلاً من محارب قال لقومه: الا أقتل لكم محمداً؟ فقالوا: وكيف تقتله؟ فقال: أفتك به، فأقبل إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره، فأخذه، وجعل يهزّه، ويهمّ به، فيَكْبِتُه الله، ثم قال: يا محمد ما تخافني؟ قال: لا، قال: لا تخافني وفي يدي السّيف؟! قال: يمنعني الله منك، فأغمد السيف، فنزلت هذه الآية»، رواه الحسن البصري عن جابر بن عبد الله. وفي بعض الألفاظ: فسقط السّيف من يده. وفي لفظ آخر: فما قال له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا عاقبه. واسم هذا الرجل: غورث بن الحارث من محارب خصفة.
والثاني: أن اليهود عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فكفاه الله شرّهم.
قال ابن عباس: صنعوا له طعاماً، فأوُحِيَ إِليه بشأنهم، فلم يأت. وقال مجاهد، وعكرمة: خرج إِليهم يستعينهم في دية، فقالوا: اجلس حتى نعطيك، فجلس هو وأصحابه، فخلا بعضهم ببعض، وقالوا: لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت، فيطرح عليه صخرة؟ فقال عمرو بن جحّاش: أنا، فجاء إِلى رحى عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك الله يده، وجاء جبريل، فأخبره، وخرج، ونزلت هذه الآية.
والثالث: أن بني ثعلبة، وبني مُحارب أرادوا أن يفتكوا بالنبي وأصحابه، وهم ببطن نخلة في غزاة رسول الله صلى الله عليه وسلم السابعة، فقالوا: إِِن لهم صلاة هي أحبّ إِليهم من آبائِهم وأمهاتهم، فإذا سجدوا وقعنا بهم، فأطلع الله نبيه على ذلك، وأنزل صلاة الخوف، ونزلت هذه الآية، هذا قول قتادة.
والرابع: أنها نزلت في حق اليهود حين ظاهروا المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا قول ابن زيد.


قوله تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إِسرائيل} قال أبو العالية: أخذ الله ميثاقهم أن يخلصوا له العبادة، ولا يعبُدوا غيره. وقال مقاتل: أن يعملوا بما في التوراة. وفي معنى النقيب ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الضمين، قاله الحسن، ومعناه: أنه ضمين ليعرف أحوال من تحت يده، ولا يجوز أن يكون ضميناً عنهم بالوفاء، لأن ذلك لا يصح ضمانه، وقال ابن قتيبة: هو الكفيل على القوم. والنقابة شبيهة بالعرافة.
والثاني: أنه الشاهد، قاله قتادة. وقال ابن فارس: النقيب: شاهد القوم، وضمينهم.
والثالث: الأمين، قاله الربيع بن أنس، واليزيدي، وهذه الأقوال تتقارب. قال الزجاج: النقيب في اللغة، كالأمين والكفيل، يقال: نقب الرجل على القوم ينقب: إِذا صار نقيباً عليهم، وصناعته النقابة، وكذلك عرِّف عليهم: إِذا صار عريفاً، ويقال لأول ما يبدو من الجرب: النقبة، ويجمع النُقَب والنُّقْب. قال الشاعر:
متبذِلاً تبدو محاسنُه *** يضعُ الهناء مواضِعَ النُّقب
ويقال: في فلان مناقب جميلة، وكل الباب معناه: التأثير الذي له عُمق ودخول، ومن ذلك نقبت الحائِط، أي: بلغت في النقب آخِرَه، والنقبة من الجرب: داء شديد الدخول. وإِنما قيل: نقيب، لأنه يعلم دخيلة أمر القوم، ويعرف مناقبهم، وهو الطريق إِلى معرفة أمورهم. ونقل أن الله تعالى أمر موسى وقومه بالسيرإِلى الأرض المقدسة، وكان يسكنها الجبارون، فقال تعالى: يا موسى اخرج إِليها وجاهد من فيها من العدو، وخُذْ من قومك اثني عشر نقيباً، من كل سبط نقيباً يكون كفيلاً على قومه بالوفاء بما أُمروا به، فاختاروا النقباء.
وفيما بعثوا له قولان:
أحدهما: أن موسى بعثهم إِلى بيت المقدس، ليأتوه بخبر الجبارين، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أنهم بعثوا ضمناء على قومِهِمْ بالوفاء بميثاقهم، قاله الحسن، وابن إِسحاق. وفي نبوّتهم قولان. أصحهما: أنهم ليسوا بأنبياء.
قوله تعالى: {وقال الله} في الكلام محذوف. تقديره: وقال الله لهم.
وفي المقول لهم قولان:
أحدهما: أنهم بنو إِسرائيل، قاله الجمهور.
والثاني: أنهم النقباء، قاله الربيع، ومقاتل. ومعنى {إِني معكم} أي: بالعون والنصرة. وفي معنى: {وعزّرتموهم} قولان:
أحدهما: أنه الإِعانة والنصر، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي.
والثاني: أنه التعظيم والتوقير، قاله عطاء، واليزيدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.
قوله تعالى: {وأقرضتم الله قرضاً حسناً} في هذا الإقراض قولان:
أحدهما: أنه الزكاة الواجبة. والثاني: صدقة التطوع. وقد شرحنا في البقرة معنى القرض الحسن.
قوله تعالى: {فمن كفر بعد ذلك منكم} يشير إِلى الميثاق {فقد ضلَّ سواء السبيل} أي: أخطأ قصد الطريق.


قوله تعالى: {فبما نقضهم} في الكلام محذوف، تقديره: فنقضوا، فبنقضهم لعنّاهم، وفي المراد بهذه اللعنة ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها التعذيب بالجزية، قاله ابن عباس. والثاني: التعذيب بالمسخ، قاله الحسن، ومقاتل. والثالث: الإِبعاد من الرحمة، قاله عطاء، والزجاج.
قوله تعالى: {وجعلنا قلوبهم قاسية} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {قاسية} بالألف، يقال: قست، فهي قاسية، وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضّل، عن عاصم: {قسيّةً} بغير ألف مع تشديد الياء، لأنه قد يجيء فاعل وفعيل، مثل شاهد وشهيد، وعالم وعليم. والقسوة: خلاف اللّين والرّقة. وقد ذكرنا هذا في البقرة. وفي تحريفهم الكلم ثلاثة أقوال.
أحدها: تغيير حدود التوراة، قاله ابن عباس. والثاني: تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله مقاتل. والثالث: تفسيره على غير ما أُنزل، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {عن مواضعه} مبيّن في سورة النساء.
قوله تعالى: {ونسوا حظّاً مما ذكّروا به} النسيان هاهنا. الترك عن عمد. والحظ: النصيب. قال مجاهد: نسوا كتاب الله الذي أُنزل عليهم. وقال غيره: تركوا نصيبهم من الميثاق المأخوذ عليهم. وفي معنى {ذكّروا به} قولان:
أحدهما: أمروا. والثاني: أوصوا.
قوله تعالى: {ولا تزال تطلع على خائِنة منهم} وقرأ الأعمش {على خيانة منهم} قال ابن قتيبة: الخائِنة: الخيانة. ويجوز أن تكون صفة للخائِن، كما يقال: رجلٌ طاغية، وراوية للحديث. قال ابن عباس: وذلك مثل نقض قريظة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخروج كعب بن الأشرف إِلى أهل مكة للتحريض على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِلا قليلاً منهم} لم ينقضوا العهد، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل: بل القليل ممن لم يؤمن.
قوله تعالى: {فاعف عنهم واصفح} واختلفوا في نسخها على قولين.
أحدهما: أنها منسوخة، قاله الجمهور. واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها آية السّيف. والثاني قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله...} [التوبة: 29]. والثالث: قوله: {وإِما تخافنَّ من قوم خيانة} [الأنفال: 58].
والثاني: أنها نزلت في قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فغدروا، وأرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأظهره الله عليهم، ثم أنزل الله هذه الآية، ولم تنسخ.
قال ابن جرير: يجوز أن يعفى عنهم في غدرةٍ فعلوها، ما لم ينصبوا حرباً، ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإِقرار بالصّغار، فلا يتوجّه النسخ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8